كتب جان رطل
المؤرخ الدكتور نقولا زيادة المولود في دمشق في الثاني من كانون أول سنة 1907 هو من عائلة من أصول مدينة الناصرة درّس في فلسطين من سنة 1925 الى سنة 1947 حاز على الدكتوراه بالتاريخ سنة 1950 ودرّس في جامعة كامبريدج بين 1948 و 1949 وفي الجامعة الأميركية في بيروت من 1965 إلى 1973. مؤلفاته وترجماته تجاوزت أكثر من 35 كتاب منها : رحّالة العصور الوسطى في العالم العربي – 1943 ، الوطنية والعروبة – 1945 ، سوريا و لبنان – 1957 ،دمشق في عصر المماليك - 1964 ،المدن العربية – 1965 ،المسيحية و العرب – 2000.
كتابه الذي نعرّف عنه هنا :"أيامي" – 1992 هو سيرة ذاتية من جزءين ويتجاوز ال 600 صفحة من القطع الموسوعي. اخترنا ان نتحدث عن الفصل السادس منه وهو يعدد فيه، ويصف رحلة قام بها، وبغالبيتها كانت سيراً على الأقدام، اجتاز فيها مدناً وطرقاتٍ طويلة من "صفد" الى الشام، وصولاً إلى الجبال والوديان ( الشرح يفصّل الرحلة ويوضحها)وقد وصل مع صديق له إلى انطاكيا وغالبية الساحل السوري واللبناني
حكاية الرحلة :يقول نقولا زيادة عن رحلته الطويلة التي قطع غالبيتها على الأقدام، والتي قام بها صيف 1925 مع صديقه درويش المقدادي، وقد بدأت الرحلة فكرة في ربيع عام 1924، في دار المعلمين، وكانت تدور حول زيارة لجبل الشيخ. لكن لم تتم، ولم تنفّذ الفكرة لتصل الى الاكتفاء بقيام مجموعة من الأصدقاء، بتعويضها برحلة على الأقدام الى طبريا.
ولما زاره "درويش المقدادي" في ترشيحا، وكان أيامها معلما في مدرستها، أعاد الحديث معه حول مشروع الرحلة القديمة، واستعادا طرحها معا، وإنه لِمَ لا يذهبا في رحلة على الأقدام عبر شمال فلسطين، ولبنان، وبعض المناطق السورية الساحلية.
فقال له "المقدادي" إن عدد الذين لديهم رغبة في الانضمام للفكرة كبير. ولا بأس فكل شيء يمكن ترتيبه.
اتفقا وقتها ان تبدأ الرحلة أواسط آب وانه، أي نقولا، سيكون في الناصرة في انتظار إخبار من "درويش". وجاءت رسالة من "درويش" وفيها يحدد بدء الرحلة، ويطلب مني انتظاره في الناصرة. صباحا وفي اليوم المتفق عليه التقينا في كراج الميدان كي نذهب الى "صفد" التي منها سنبدأ الرحلة.
جاء اليوم المتفق عليه وذهبت الى نقطة الكراج وانتظرت. تأملت ان يكون العدد كبيراً. لكن "درويش" وصل وحده وقال :إن العدد تقلّص من سبعة عشر الى اثنين. وهكذا بدأنا الرحلة بالسيارة الى صفد. قضينا يومين هناك في صفد لرغبة من "درويش" إنفاذاً لمهمة، ورغبة بالتأكد من ضبط أسماء القرى في القضاء لأمر كلفه به المحامي المؤرخ – عمر الصالح البرغوتي.
وبدأنا الرحلة، هكذا قال "نقولا زيادة"، ووضع جدولاً بمسار الطريق فكان على النحو التالي :من صفد إلى حوض بحيرة الحولة، قرية الخالصة – التي يسميها الصهيونيون اليوم "قرية أشمونا" – ومنها عبر منابع الأردن الى جبّاتا على سفح جبل الشيخ مرورا ببانياس، إلى قمة جبل الشيخ، ومنها الى شبعا في لبنان، ومن شبعا الى جديدة مرجعيون عن طريق الهبّارية، ومن جديدة الى صيدا، وخرجنا الى روم وجزين، وسرنا الى باتر و عماطوره. قضينا الليلة هناك عند رجل من آل عبد الصمد. في اليوم التالي قصدنا دير القمر، ومنها الى بيروت "بالسيارة" لأن أحذيتنا تمزقت، وكان لا بد من تبديلها. بقينا ثلاثة أيام في بيروت.
"درويش" خريج الجامعة الأميركية وهو دليلي، يقول زيادة، وإقامتنا كانت في الفندق العربي الحديث بناؤه، موقعه الطرف الشمال الغربي لساحة البرج- الشهداء.
من بيروت زرنا ضبيه، وجونية، وجبيل وقد ذهبنا الى جبيل بالقطار. كان "مونتيه" ( Monte) ،وهو عالم آثار، قد بدأ قبل ذلك بمدة بأعمال الحفر الأثرية في جبيل. فشرح لنا ما توصل إليه يومها، ولم يكن بالشيء الكثير .
تتابع مسار الطريق منتقلين الى بيروت ثم إلى صوفر بالقطار، ومنها سيراً إلى بحمدون، وبعدها سيراً عبر قرنايل، وبزبدين، إلى ضهور الشوير حيث قضينا ليلة في دير مار الياس، ومن ثم سرنا الى صنين. بعد ذلك كانت طريقنا عبر العاقورة الى الأرز. من الأرز اتجهنا نحو طرابلس، وبعد يومين امضيناهما هناك، سافرنا بالقطار الى تلكلخ ثم كان لنا سيرٌ ( مشياً ) إلى قلعة الحصن (حصن الأكراد) ثم صافيتا، فجبلة على الساحل (منها ذهبنا في الصباح المبكر لزيارة قلعة المرقب) ووصلنا اللاذقية منتصف الليل. قضينا فيها ثلاث أيام، وأربعة في جبال النّصيّريّة. ومن اللاذقية سافرنا بحرا الى مرسين فالإسكندرون، ومنها الى انطاكية.
وكانت زيارة للسويدية وما اليها ( 19 ساعة في يوم واحد) وهو آخر ما مشيناه، إذ اقترب وقت فتح المدارس بفلسطين 14 أيلول، ونحن الاثنين نشتغل بالتعليم. لذلك سافرنا بالسيارة من انطاكيا الى حلب، ومنها الى المعرة و حمص. وركبنا القطار من حمص الى بعلبك و زحلة ثم بالقطار إلى دمشق، وعدنا من دمشق بالسيارة، فودعت "درويش" في الناصرة، حيث قضيت يوما ذهبت بعدها الى ترشيحا مقر عملي. أما "درويش “فاستمر عائدا من الناصرة الى طولكرم فالقدس !
بعد هذه العناوين لطريق الرحلة يأتي "زيادة" على الشرح، والتفصيل الذي طال كل الأماكن، وعمرانها، ومميزاتها من كل النواحي، والتوسع الممتع بالإستناد الى ذاكرة ما كان موجوداً خلال الرحلة التي كان مستكشفان للبلاد من فلسطين إلى لبنان وسوريا. كل ذلك يحكي ما كان وجرى في سنة 1925 (أي أن الكاتب يحكي عن أمور جرت من 100 سنة) مع ذاكرة الأماكن المحفوظة بالذاكرة من أيامها، وهناك تفاصيل كثيرة من الصعب تلخيصها والممتع قراءتها. غير أنه بالعودة الى الكتاب تصادفنا الكثير من المدن وأساليب التنقل مشياً على الاقدام والسفر بالسيارة والتنقل بالقطار.
* غادرنا الدكتور نقولا زيادة بالمصادفة خلال حرب تموز قبل أن يدرك عمر المئة سنة بأربعة شهور وذلك في 27 من تموز سنة 2006 في يوم من أيام الحرب الإسرائيلية على لبنان.
19 مشاهدة
01 ديسمبر, 2025
370 مشاهدة
23 نوفمبر, 2025
112 مشاهدة
24 أكتوبر, 2025