طالما شكّلت المقالع والكسارات مواضيع إشكالية في لبنان في ظل غياب المؤسسات الرقابية، والمتابعة، والحراسة، لكن المنتصر فيها كانوا أشخاصاً أقوياء مدعومين من قوى أمر واقع، منعت المؤسسات من توقيفهم، فانتشرت الكسارات في جبال لبنان، وأمعنت فيها تشويهاً، وألحقت بها تخريباً بليغاً قد يستغرق سنوات طويلة لتلافي تداعياته البيئية والطبيعية.
الكسارات طاولت الثروة الحرجية من جهة، فقد أقيم العديد منها في المناطق الحرجية، البعيدة عن الانظار، كما أحدثت تشوّهات كادت تحوّل الهوية الطبيعية للجبال، وأعطتها بعداً جديداً: جبل بكسّارة، وذلك نظراً للعد الكبير من الكسارات التي انتشرت في لبنان.
ولا بد من لفت الربط بين الطفرة البنيانية التي حدثت في لبنان بغياب المؤسسات الرسمية، حيث استغل كثيرون من تجار البناء غياب الرقابة، فابتنوا الأبنية التجارية المخالفة للقانون، وبتكاليف قليلة، لكنها في جميع الأحوال نشّطت الطلب على الحصى والرمل كمواد أساسية للبناء.
مع عودة النشاط النسبية للبلديات، قامت العديد منها بمبادرات غابت في ظلال الأحداث، ومنها مبادرتان لرتق التمزق الذي حصل في بعض جبال عكار، ومنها في بلدتي بزبينا وعكار العتيقة.
المبادرتان اختارتا كساراتين، واحدة في كل بلدة، لمعالجة تشوهاتها، وإعادة استصلاح الأراضي التي أقيمت فيها، وتولت بلديتا البلدتين إعادة تأهيل الموقعين، وكان الخيار تحويلهما إلى حدائق عامة.
بزبينا
بزبينا بلدة سياحية تقع في زاوية أسفل المنحدرات الغربية لجبال عكار، على ارتفاع يناهز الستماية متر ع نسطح البحر، وتمتد تلالها صعوداً إلى أحراج تابعة لأحراج عكار الكثيفة؛ وفيرة المياه مما حوّلها لمنطقة زراعية واسعة ببساتين الفاكهة، واستفادت من وفرة المياه لإقامة منتجعات سياحية من مقاهٍ ومطاعم أنعشت البلدة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، لكن التطورات الأمنية المتعاقبة اثرت عليها سلباً، فاقفل معظمها.
موقعها، وتنوّع مرتفعاتها، وغاباتها جعلت منها مصيفاً جميلاً منعشاً بهواء رطب، محميّاً بالتلال على جانبيه الشرقي والجنوبي.
في عقارات البلدة، كسارة قديمة، حوّلتها البلدية إلى حديقة عامة، يروي المحامي طارق خبازي- رئيس بلدية بزبينا- حكاية مبادرته، وتناول الموقع الذي كان "كسّارةً استخدمها مواطنون بطريقة غير قانونية منذ سبعينات القرن الماضي"، في كلام ل"ردبيس"، مضيفاً إنه "مع عودة مؤسسات الدولة للعمل في التسعينات، أوقفت الدولة الكسارة، كونها تقع في أملاكها، وتم إقفالها، وبقي الموقع مهجوراً، فاستخدمه المواطنون مكباً لنفاياتهم المنزلية، ولفضلات المؤسسات التجارية”.
وتابع: "ارتأينا في البلدية تحويل الموقع إلى منتجع سياحي، فكنّا أمام عدة خيارات، استقر الرأي على أفضلها بنظرنا"، كما قال، "وهو تحويلها إلى حديقة عامة، فتقدمنا بطلب تمويل من الUNDP، على هذا الأساس”.
تزيد مساحة الموقع على الستة آلاف متر مربع، لكن العقار أكبر من ذلك، بحسب خبازي، ذاكراً إنه "جرى تجهيزها ببوابة، وتمت زراعتها بالنصوب الملائمة، والنباتات المتنوعة، والسلالم الحجرية لأن مستوياتها مختلفة بين نقطة وأخرى، ووضعنا لها تصاميم تغني وظيفتها”.
واكّد إن "إدارتها تعود لبلدية بزبينا التي خصّصت لها حارساً يرعى شؤونها”.
ثم تناول خبازي الدوافع لهذا الخيار، لافتاً إنه "الحدّ من تدهور الأراضي الحرجية، فهي من ضمن محميّة بزبينا الحرجيّة، وإلغاء التشوهات التي حدثت على الموقع، وحماية العقار من التضرّر بالتشققات، والانزلاق، ووضع حد نهائي للممارسات غير الشرعية عليها مثل الاستحصال على الحصى، والرمل، ومنع أي نوع من الاعتداءات الأخرى كالتخلص من النفايات، واحتمال تحويلها لمكب يلوّث البيئة المحيطة”.
وذكر إن بلديته تخطط لاستكمال المشروع بتجهيزها وفق المخطط الذي وضعناه لها، وفيه تجهيز الحديقة بألعاب للأطفال، وتزويدها بالطاقة الشمية للإنارة، وبكاميرات للمراقبة”.
على مقربة من أعلى الموقع، أقامت البلدية برج مراقبة منذ أحد عشر عاماً لمراقبة الاعتداءات على الغابات ومسببات الحرائق، يتمّم الموقع وأهدافه البيئية.
عكار العتيقة
بلدة جميلة نائية أقاصي عكار شمال لبنان، كانت مركز ولاية لآل سيفا زمن العثمانيين، تقع في صحن حفافيه جبال المنطقة، تجاور منطقة القموعة للجهة الشمالية، غزيرة بالمياه التي تتغذى ينابعها من سيول سهلة القموعة أعلاها، وتتشكل فيها الشلالات والينابيع الغزيرة.
جمال طبيعتها حوّلها إلى موقع سياحي طبيعي، خاضت مسابقة أجمل بلدات لبنان، ونجحت بالمرتبة الأولى، وحرصت بلديتها على تطويرها ما استطاعت من إمكانات، وشقت فيها الطرقات التي وصلت أرجاءها المترامية، فأصبحت من أجمل بلدات لبنان، لعب بعدها دوراً في عدم انتشار شهرتها مثل المواقع اللبنانية السياحية الشهيرة رغم أن تضاهيها جمالاً، ومكوّنات طبيعية خلّابة.
كما في بزبينا، كذلك في عكار العتيقة، اختارت بلديتها مبادرة تحويل إحدى كسّاراتها حديقة عامة، يتحدث عنها ل"ردبيس" الدكتور محمد خليل- رئيس بلدية عكار العتيقة، ويذكر إنه "عام 2024، وبعد دراسات متعددة، اخترنا تحويل الكسارة، وإعادة تأهيل مقلع مهجور بهدف عكس مسار تدهور الأراضي، وكانت المبادرة هي الأولى من نوعها في لبنان”.
مساحة الموقع 1200 متر مربع، اصبح حديقة عامة يضم مسارات للمشي بطول200 متر، وخزانين مياه سعة 10000 لتر للري، وست حاويات لفرز النفايات، وتمّت فيها زراعة نباتات من الأنواع الموجودة في أحراج البلدة مثل الزعتر، وإكليل الجبل، والتفاح البري، والخوخ البري، والخروب، والصنوبر، وسواها.
خليل أفاد أن التمويل تمّ من مرفق البيئة العالمي وتنفيذ UNDP، ووزارة البيئة، أما رعاية شؤونها فتعود للبلدية، وأهميتها "إعادة إدخال اصناف النباتات، والأشجار إلى الطبيعة، والإستفادة من الموقع المهجور سابقاً من الأهالي كمتنزه، وخلق فرص عمل على المدى الطويل حيث نترقّب توسيع الموقع، وتطويره، وتزويده بما يغني هدفه البيئي والاجتماعي"، يقول خاتماً.
38 مشاهدة
28 فبراير, 2025
35 مشاهدة
09 فبراير, 2025
47 مشاهدة
17 يناير, 2025