ارتبطت السلحفاة بالنجاح بالمثابرة، والأناة، وطول البال، وقد اندرج هذا المفهوم في رواية الأرنب والسلحفاة، وفوز السلحفاة، المفاجيء في السباق المشروط بينها وبين الأرنب السريع، وأعطيت الرواية نموذجا لتحفيز التلاميذ على الاجتهاد والمثابرة.
المعلومات عن السلاحف كثيرة، لكنها غير متداولة باستمرار نظراً لهامشية الحيوان، ودماثته؛ حضوره بين الناس دائم على بعض خجل، يعيش البري منه على النباتات، فهو غير مؤذٍ، وغير ضار، لذلك أحبه الأطفال، ولطالما اقتنوه في بيوتهم، يرعونه، ويتفاعلون معه، ولربما اعتبر اقتناء سلحفاة عامل خير في المنزل.
لكن سلاحف البحر عالم آخر، وتنوّعها البيولوجي، ودورها، وسلوكها يختلف كثيراً عن السلحفاة البرية الأليفة، إذا جاز التعبير، جلّها مهدّد بسبب كثرة اصطيادها، وبطء توالدها رغم أن سلحفاة البحر مفيدة في التوازن البيئي البحري.
سلاحف البحر
من الاشخاص الذين تفاعلوا مع السلاحف، وواكبوا معلوماتها، عصام صيداوي ابن الميناء، تولّى لسنوات الحفاظ على أمن "محميّة جزر النخل" بتكليف من لجنة المحمية، وعبر دورات توعية، وتدريب على كيفية رعاية المحميّات البحرية، وكائناتها، ومنها السلاحف، أصبح مراقباً رسمياً للسلاحف، ومرشداً سياحياً للبحر.
في حديث ل"ردبيس"، صنّف صيداوي السلاحف المحلية بثلاثة: السلحفاة كبيرة الرأس، والخضراء النادرة التي تعرف باسم "كاريتا كاريتا"، و السلحفاة الجلدية النادرة أيضاً، التي تشاهد عند مصبات الأنهر بالبحر، وهي أكبر أنواع السلاحف البحرية، ولا تمتلك درعًا عظميًا صلبًا مثل الأنواع الأخرى.
ويذكر صيداوي إن هذه الأصناف من السلاحف هي المتوافرة في البحر المتوسط، وأهمية الخضراء منها تتركز على التهامها لقنديل البحر، وإحداث توازن بيئي فيه نظراً لتكاثر القناديل بأعداد كبيرة في مواسمها.
إلى ذلك، تلعب السلاحف دوراً في تنظيف البيئة من الأعشاب اليابسة، فتتيح إنبات أعشاب جديدة، من جهة، وتؤمّن موائل تبييض للأسماك، من جهة ثانية.
لم يدرك الصيادون أهمية السلحفاة، فكانوا يصطادونها قبل تسعينات القرن الماضي، يوم لم تكن "لجنة رعاية البيئة" قد تشكلت أوائل تسعينات القرن الماضي، وهي التي كرّست تطبيق قوانين الحماية البحرية.
تسبب الاصطياد العشوائي بالديناميت بهرب السلاحف، فغابت عن الجزر، لتظهر من جديد بعد تطبيق قوانين الحماية، فوجدت السلاحف موائل لها في المحميّة، ومكان تبييض آمن في جزيرة النخل ذات الشاطيء الرملي، حيث تجد السلاحف في الرمل أمكنة آمنة تضع بيوضها في حفر رملية، ثم تطمرها لتخبئها عن نظر الطيور الكاسرة التي كانت تنقضّ من الفضاء على البيوض، وتلتهمها، مما أبطأ تكاثر السلاحف، وبذلك، لعبت محميّة الجزر دوراً هاماً في تأمين بيئة آمنة لتكاثرها.
ساعد صيداوي السلاحف على الحماية أثناء توليه أمن المحمية، كما ساعد صغار السلاحف عند تفقيس بيوضها على النجاة ريثما نمت، وأصبحت قادرة على الزحف إلى المياه حيث يتعذر على الطيور اصطيادها.
ظهرت السلاحف في ال100 مليون سنة الماضية، وتطورت مع مرور الوقت لتشكل نموذجاً للتطور البيولوجي،وتكيّف الكائنات الحية مع بيئات مختلفة.
وإلى السلحفاة الخضراء (كاريتا)، والسلحفاة ذات الرأس الضخم، والسلحفاة الجلدية، هناك أصناف أخرى منها "منقار الصخر"، و"ذات الرأس المسطّح"، وسواها، وهي تنتمي إلى عائلة "الشيلونيدية”.
وتتميز السلاحف البحرية بالعيش في البحر وعلى اليابسة، وبالهجرات الطويلة التي تقوم بها بين المحيطات لسنوات طويلة، فعندما تخرج صغار السلاحف من العش، تبحر بشكل غريزي نحو المحيط، لتبدأ رحلتها في المحيط المفتوح، والتي تُعرف باسم "السنوات الضائعة”.
والأكثر غرابة، أن السلحفاة تعاود الهجرة المعاكسة في ما يعرف ب"العودة إلى الوطن" حيث تعود إلى نفس شواطيء التعشيش التي فقست فيها لتضع بيوضها حيث وضعتها سابقاً.
أين السلاحف؟
بهدف الإضاءة على أهمية السلاحف، وضرورة الحفاظ عليها، وضعت المربية ألفير فغالي قصة مصوّرة للأطفال تحت عنوان "أين السلاحف؟" كأنها توقظ الوعي على المخاطر المحيطة بعالم السلاحف، وقد جرى توزيع القصة في معرض علوم البحار مطلع الشهر الجاري في الميناء بطرابلس اللبنانية.
تروي القصة عن طفلين أحبا الغطس، وراقبا السلاحف الرقيقة، والدلافين، والأسماك الملونة، و"نجوم البحر"، و"قناديل البحر" المتلألئة، وذات يوم، ولدى ذهابهما إلى البحر، لم يجدا أية سلحفاة، ولاحظا أكياس البلاستيك تطفو في الماء، فحزنا حزناً شديداً، خصوصاً عندما علما أن السلاحف تلتهم أكياس البلاستيك ظناً منها إن الأكياس هي "قناديل بحر".
مع العلم أن "قناديل البحر" على جمالها الساطع ليلاً في المياه، فهي مؤذية لدى تفكك هيكلها الهلامي خاصة بسبب اشتداد الحرّ صيفاً، لكن السلاحف تلتهمها دون أن تتأثر، فتحمي التوازن البيئي في البحر.
حزن الطفلان كثيراً عندما أدركا أن أكياس البلاستيك تقتل السلاحف اختناقا وهي تحاول ابتلاعها، فبادرا إلى تنظيم حملة مع أترابهما، وبدآ تنظيف الشاطيء من الأكياس بعد أن صنعا لافتات توعية على أهمية الحفاظ على الشواطيء نظيفة.
بعد مدة، لاحظا عودة الكائنات البحرية تعود إلى بيئتها القريبة منهما، وشاهدا كيف تسبح السلاحف، والدلافين، وفرس البحر، والأسماك تلعب في الماء، فكانا شديدي السعادة عندما علما إنهما ربحا نظافة الشاطيء، وأنقذا الحياة البحرية، من جهة، وحافظا على السلاحف، وبقية الكائنات التي أحبّا، من جهة ثانية.
الكلمات الدالة
103 مشاهدة
18 ديسمبر, 2025
10 مشاهدة
16 ديسمبر, 2025