كتب جان رطل
لم أكن لأكتب ما سأكتبه لو لم يحرضني سؤال أحد الأصحاب. فمن الصعب الوصول إلى إجابة شافية، فما قرره "الرحباني" أمر شخصيّ ببعدين إنساني- ذاتي، وفني، من جهة، وسياسي، من جهة ثانية، مع الاعتراف ضمناً باستحالة فصل البعدين عند صاحبنا، وصاحب الأثر الفني على أجيال كثيرة، والمقصود هنا زياد الرحباني!
ولكن ما يلحّ هو القراءة عبر بضعة أغنيات، وكلماتها، وتواريخ متصلةٍ بها. وإذا انتقيت من إنتاج سنة 2006، وتحديدا على أغنية "دورت أيام الشتي" ،وهي مثبته كما نشرت ضمن ألبوم "لطيفة"، وهي من كلمات الشاعر "طلال حيدر". الطريف بالموضوع، والمقلق هو أن هذه الاغنية أتم الرحباني "تلحينها" مع أغنيات "وحدن" الألبوم الصادر 1979، ورفضت في حينها السيدة الكبيرة " فيروز " أن تقوم بغنائها، فانتظرت الأغنية 27 سنة لتظهر بصوت المطربة التونسية "لطيفة "!
أغنية ثانية تجيب على "حالة" الانتظار، والتبديل بالكلمات للرحباني، وهي أغنية "شبه سيرة" أو سيرة مرتجاة، تحاول الصدق، والابتعاد عن ما يكرهه الرحباني..! وهي مأخوذة من لحن مثبت سنة 1987 في البوم يضم حكايتين للأطفال إعداد "نجاة نعيمة ناصيف" وبعنوان " حكايا "، وكانت هي الأغنية التي كتبها "عبيدو باشا" تحت عنوان لافت: "كلّ الصفات فيك/ الله يخليك/ مربى الدلال". هذه الأغنية تحوّلت حين ألبس "زياد" الموسيقى كلماتٍ جديدة بتبديل توزيع موسيقيّ طفيف، وأبقى على لحنها الأساسيّ، وهو ما جعل كلماتها تصبح كما غنتها السيدة "فيروز" في ألبومها الخاص وهو بعنوان "إيه في أمل" الصادر سنة 2010، فلبست الأغنية كلمات جديدة، وانتشرت تحت عنوان آخر هو "كلّ ما الحكي"، وأصبحت كلماتها :كل ما الحكي/ يطول اكتر/ بتقول..../ بتصير معقول/ تحكي الصحيح/ ... / بتصير معقول/ تحكي تمام/ كل ما الحكي يبان/ولو كيف ما كان/ بتصير انسان/ طالب سلام/ ما تفكّر بدي/ إنشا ومسودّي/ كل اللي بدي/ صدق الكلام/ نفسها أخبارك/ طوشت أسرارك/ قل لي بنهارك/ في وقت تنام..!/ كل ما الحكي يروح/ بتصير تبوح /بتصير مبحوح / زيّ الحمام/.
هذه صيغة زياد للسيدة فيروز وكانت في البوم "حكايا "مختلفة بالكامل من توقيع عبيدو باشا، كما أشرنا سابقا، وعلى شاكلة أغنية تناسب الحكاية للأطفال حول قصة الأرنب والسلحفاة بطعمٍ موسيقيٍّ آخر.
من أغنيات أخرى لزياد الرحباني، بنفس أسلوب التبديل، ولعل اشهرها، وكانت أولى الأغنيات التي غنتها فيروز من ألحان زياد، وهي معروفة قصتها على نطاق واسع، وكان أساسها أغنية "لمروان محفوظ"، كلماتها "أخدوا الحلوين قلبي وعينيي/ أخدوا الليالي يلي عشناها سوآ / هجروا الحلوين ما سألو عليّي/ يا مين يرجع أيام الهوى/.
وعندما تقرر تحويلها إلى كلمات أخرى تناسب غياب "عاصي الرحباني" عن المشاركة في مسرحية "المحطة" لسبب الوعكة الصحية التي تعرض لها، أصبحت كتابة "منصور الرحباني" للأغنية "سألوني الناس عنك يا حبيبي/ كتبوا المكاتيب وأخذها الهوا/ بيعزّ علييّ غني يا حبيبي/ لأول مرة ما منكون سوا”.
بحصول هذا التبديل إقترح زياد على "مروان محفوظ " تعويضه عن هذه الأغنية بأغنيتين: "خايف كون عشقتك وحبيتك”، و "يا سيف عا الأعداء طايل".
هذا العبقري زياد كان يعاني من أوقات انتظار لنشر أغنية أو إنتاج "ألبوم" أو مجرد العيش في هذا البلد "العائم" فوق بحيرات من نقصان موارد للإنتاج، وغياب الهدوء، وتراكم الأزمات السياسية، ولتداعياتها الأمنية، ومشاكل الإنتاج الفني الغنائي أو/و الموسيقي. كان زياد يحتال على الوقت فتطول، خاصة في السنوات الأخيرة، فترات صمته، وتأجيل إنجازاته من الأغاني والموسيقى.
ولو أتينا بمتابعتنا على أمثلة محددة من الأكيد إنه امتلك أمثلة تأخرت، وتبدل فيها الكلام، والمغنون، وما أتى به لا بد أن يظهر مع جهود الباحثين في موسيقاه، وتجديداته، وكتاباته الكثير من القصص غير المعروفة، التي تحتاج الترتيب، والنشر بوصفها الأعمال الكاملة، كون ذلك يليق بقامة كاتب مسرح، موسيقي، ممثل رفد كل الفنون التي مارسها لغة فريدة، وخاصة به خلال عصر لم يجاريه غير نادرين، إن لم نقل لا أحد، وصل الى ما وصل اليه من فن فريد وممتاز.
عن زياد الرحباني: الشغل بالكلمات والموسيقى...!

الكلمات الدالة
30 مشاهدة
15 أكتوبر, 2025
37 مشاهدة
09 أكتوبر, 2025