RedPeace

الصحافة العربية في معرض شمولي يضيء على الحداثة

شهدت صالات متحف "نابو" في الهري شمالي لبنان، معرضاً توثيقياً أضاء على نشأة الصحافة العربية الأولى، والمراحل التي مرت بها، ومواقع صدورها، في نحو أربعماية منشورة وإعلانات في زمانها.

أقيم المعرض بمناسبة إعلان "بيروت عاصمة للإعلام العربي" لسنة 2023، وارتكز على مجموعة بدر الحاج-أحد مؤسسي "نابو"، وهو جمع أكثر من ألف صحيفة ومجلة عربية على مدى خمسين عاماً، أضيفت إلى المجموعة المنتقاة منه، مجموعة من مقتنيات المتحف، وبعض مجموعات أخرى لمبادرات فردية.

الحاج

أثار المعرض إشكالية ترصّد الصحف العربية، والمنشورات الصحفية، حيث جرت محاولات قليلة، تميّز بعضها بثرائه، وغناه، وأنقذ ما أمكن، واستعرض الحاج في تقديم للمعرض، بعض المحاولات التي جرت بهذا الخصوص، لكن من تفحّص اتّساع الإصدارات الصحفية العربية، وانتشار أماكنها في مختلف أصقاع الأرض، وتفاوت تواريخها، أدرك أنه من المستحيل الإحاطة بكل الإصدارات الصحفية العربية، وإنه لا بدّ من خسارة بعض منها، وعدم الوصول إلى البعض الآخر.

أوّل محاولة إحصائية تقصاها الحاج كانت على يد جرجي زيدان سنة 1892، ل147 صحيفة ومجلة، والمحاولة الثانية لدى ناشر جريدة "طرابلس" محمد كامل البحيري في العدد الأول من جريدته سنة 1893، حيث صدر ما يقارب 40 صحيفة حتى ذلك التاريخ، تبعه الفايكونت فيليب دو ترزي في بيروت سنة 1913، في كتاب موسوعي من أربعة أجزاء.

واستعرض الحاج متابعي الإصدارات تباعاً، لافتاً إلى أن القرن التاسع عشر، شهد في نصفه الأخير انتشاراً مكثّفاً للصحافة العربية، في مختلف الأنحاء من العالم، مؤشراً بذلك إلى العمق الذي بلغته الحداثة بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل العشرين.

بنظر الحاج أن مصر ولبنان كانا مركزي صدور العدد الأكبر من الصحف في العالم العربي، حيث صدر في مصر في تلك الحقبة 394 دورية، بينما صدر في لبنان 55 لتنتشر الإصدارات في بقية الأقطار العربية لاحقاً.

وأمل الحاج من معرضه أن "يشكل حافزاً للمؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية العربية كي تبدأ عملية إنقاذ هذا التراث الصحافي من الاندثار"،.

المعرض

تضمّن المعرض صوراً لرواد النهضة العربية على المستويات الثقافية، والأدبية، والصحفية أمثال خليل الخوري، وبطرسالبستاني، وخليل سعادة، وناصيف اليازجي، وعبد الرحمن الكواكبي، ورفاعة الطهطاوي وسواهم. كما شهد افتتاحالمعرض إزاحة الستار عن نصوب نصفية لرواد صحفيين هم بطرس البستاني، وخليل سعادة، وأحمد فارس الشدياق،وعبد الرحمن الكواكبي.

انقسم المعرض إلى أجنحة لكل بلد أو قارة، أو منطقة في العالم، وفي الطبقة الأرضية، جناحا لبنان ومصر، مع صيغإعلانية، وبوسترات من روحية العصر، وفي الطبقة الثانية، أجنحة أميركا الشمالية، فالجنوبية، فالشرق أقصويّة،فالأوروبية، فالشرق العربي، فالصحافة العثمانية حيث بسطت السلطنة سيادتها.

عرض الحاج معلومات عن أول صحيفة عربية "الحوادث اليومية" ( 1799)، أصدرها نابليون الأول في مصر، وثانيها "الوقائعالمصرية" (1828)، أسّسها محمد علي باشا باللغتين العربية والعثمانية، والثالثة، "مرآة الأحوال" في سوريا (1855).

على الصعيد اللبناني، عُرِضت أولى الجرائد "حديقة الأخبار" أصدرها خليل الخوري أول 1858، وتحدث الحاج عن أول مجلةعربية "الفتاة"-نسائية- أصدرتها هند نوفل في مصر 1892.

جرائد لافتة بحضورها، وعناوينها، وما تؤشر إليه منها جريدة "العالم الاسرائيلي" على يد البيروتي سليم إلياهو، حملتتواريخ متوازية بالعربية أيلول\سبتمبر 1921، أي آب\أغسطس 5681 عبراني.

"صدى الجامعة العثمانية" أصدرها عبدالكريم أبو النصر عن جمعية الجامعة العثمانية، وكانت توزع مجاناً.

المفيد" أصدرها عبد الغني العريسي في بيروت سنة 1909، وهي دعوة للتغيير، والتحرّر، ما تفسّره المراجع العثمانيةإنه تأليب أوروبي على السلطنة، وفيها مخالفة لقرارات السلطنة العثمانية، لذلك لقي العريسي مصرعه إعداماً على يدجمال باشا، قائد الجيوش العثمانية في المنطقة قبل وأثناء الحرب العالمية الأولى 1914.

أشار الحاج في هذا الصدد إلى تنوّع المشارب السياسية، والفكرية والثقافية للصحف تبعاً لاتجاهات الناشرين.

الطبقة الثانية من المعرض تضمّنت الحيّز الأكبر منه، والبداية بالصحافة الشمال-أميركية، ومنها "الدليل" (The Guide) 10 أيلول\سبتمبر 1910، العدد 344، صادرة في نيويورك، واللافت فيها عنوانها الأساس الذي يعيدنا إلى التساؤل عن ماهية لبنان، ومآلاته حيث لا تزال أموره تتكرر بالصيغة عينها: “من ينشل لبنان من هوّة السقوط؟".

من الجرائد "مرآة الغرب" 22 تموز 1908، وفي الصفحة الأولى خطاب الأمير محمد علي شقيق "الجناب العالي الخديوي"، بمعنى إنها جريدة موالية للسلطة.

الشهاب" (The Star)، صدرت في مونتريال بكندا سنة 1908.

من الصحافة الجنوب-أميركية، "المجلة" للدكتور خليل سعادة، أصدرها في الأرجنتين، حزيران\يونيو 1915، وفي تقديم لها أعلى الصفحة الأولى: سياسة بلا تحزّب، علم بلا تعصّب، انتقاد بلا محاباة، أنشئت لتكون صلة وصل بين الأوطان والجوالي (الجاليات) اللبنانية والسورية، ولسان حال "النهضة العصرية".

العروة الوثقى" أصدرها الياس قطان في الأرجنتين، عنوان متطابق مع جريدة أخرى، وحالة تتكرّر مع أكثر من اسم وعنوان.

من الإصدارات الأوروبية، "العروة الوثقى" التي أصدرها الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني في باريس سنة 1884، وهما من حركة الإصلاح الإسلامي التي انتشرت في القرن التاسع عشر.

منبر الشرق" أصدرها في سويسرا علي الغاياتي، وحملت ثلاثة تواريخ متوازية، شعبان 1340 هجرية، وبرمودة سنة 1638 قبطية، ونيسان\إبريل 1922 ميلادية. وتصدرتها من الأعلى عبارة "الشرق للشرقيين".

"المستقبل" أسّستها الحكومة الفرنسية 1918، للترويج للسياسة الفرنسية. أدارها حقي العظم. و"الشرق العربي" لسان حال الحركة التحريرية العروبية أصدرها مصطفى السعيد 1933.

من الصحافة الشرق-أقصوية، أي الصين والهند وسنغافورة وسواها، تلفت جريدة "المارونية الفتاة" الصادرة عن "جمعية المارونية الفتاة" عن "واي هاي واي" في الصين، والمعروض هو العدد الأول، تاريخ الخامس من أيلول\سبتمبر 1908. ويتصدرها في أعلى الصفحة شعار الكنيسة المارونية "مجد لبنان أعطي لها". كيف ولماذا "المارونية الفتاة" في الصين؟ سؤال قد يتضمن الكثير من الوقائع التي يطمسها التاريخ الرسمي الرائج.

حضر إلى الذاكرة في المعرض اسم الطبيب اللبناني الأصل جورج حاتم، ابن بلدة حمانا، الذي رافق الزعيم الصيني ماو تسي تونغ في المسيرة الكبرى، وقد أقامت الصين له نصباً تذكارية تكريماً له في بلدته. يؤشر ذلك إلى وجهة لبنانية، مارونية، نحو الصين، طمس حقائقها القلم الاستعماري الفرنسي الذي كتب تاريخ المنطقة.

من الصحافة العثمانية، كثير جداً من الصحف، ومن ابرزها "الجوائب" التي أسّسها اللبناني الماروني الأصل فارس الشدياق الذي أسلم، وبات اسمه أحمد فارس الشدياق، وهو من أحد أهم الشخصيات التي ساهمت في النهضة الثقافية العربية.

من الجرائد العثمانية أيضاً، الكوكب العثماني، السعادة، الهلال، الحجاز، أم القرى، الحقيقة، حضارة السودان، القسطاس-المغرب، كوكب أفريقية، الإصلاح الجزائرية، الترقي، الفاروق وسواها.

ومن جناح مصر، الكلمة الحرة، الرائد المصري، المأمون، المنار، المحاكم، أبو الهول، الحياة، النبراس، الكشكول، الكواكب، روح العصر، وسواها الكثير.

رسومات إعلانية متنوعة أعطت فِكْرَةً عن طريقة الإعلان في عصور الصحافة الاولى، واللافت منها إعلانات لحفلات لبديعة مصابني، ولفيلم لمحمد عبد الوهاب، وفيلم ليوسف وهبي ونور الهدى، ولفنانين مصريين ولبنانيين كثر.

وفي خزائن مقفلة، عشرات المجلات والصحف، من مختلف الهويات والمشارب، تُظهر كيفية إصدار المجلات ككتيبات صغيرة، مع صيغ مختلفة للجرائد والدوريات.

الكلمات الدالة

معرض الصور