تطورات الخط العربي وتحديثاته،قدّمها الدكتور جمال نجا المتخصص بالخط العربي، في معرض فني ومحاضرة ولقاء شروحات على الشاشة، جرت فعالياته في مركز العزم الثقافي- بيت الفن في الميناء بطرابلس اللبنانية تحت عنوان "الخط العربي بين التقليد والحداثة"، وتخّلل المعرض محاضرة ألقاها عن تطورات الخط، وقدّم خلالها نماذج تخطيط مباشرة للجمهور.
ليس غريباً ظهور فنانين كباراً في مجال الخط العربي في طرابلس، فالمدينة كنز للخطوط الفنيّة التقليدية التي يمكن للمرء مشاهدتها دون إذن، ولا عناء في مئات المواقع، والمنشآت التاريخة الأثرية، من مساجد مملوكيّة وعثمانيّة، ومدارس، وتكايا، وزوايا وسواها، يغلب عليها الخط الكوفي المتداخل بأصنافه المختلفة كل منها تِبْعاً للمرحلة التي كتب الخط فيها.
وفي مختلف الشوارع والأحياء، خصوصاً منها التي نشأت زمن الحداثة، أي ما بعد خروج المدينة من بوتقتها القديمة التراثية التاريخية، إلى الحيز المديني الحديث، انتشرت الأسواق والمحلات التجارية مثل شارع التل ومتفرعاته بكل اتجاه، فحمل كل محل لائحة (آرمة) باسم المحل، وأصناف بضاعته، ونشأ على هذا المجال المتوسّع من الأعمال خطّاطون لبّوا حاجة التجار، فلمعت أسماء خطاطين مثل أديب، ومحمد، ومرحبا، والبابا وسواهم كثر، وتخرج على أيديهم خطّاطون آخرون، فلمعت في المدينة أسماء، وفنون خط واسعة.
ساهم في نموّ الخط العربي في طرابلس تدريس المدارس له كمادة من ضمن المنهج الدراسي، ولمعت أسماء أساتذة متخصصين في الخط، منهم والد نجا، الذي كان ناظراً في إحدى مدارس المدينة الرسمية.
في هذه المناخات، نشأ نجا طفلاً، فتلميذاً يافعاً استهواه جمال الخط وتنوّعاته في الشوارع والأحياء، وعلى المواقع الأثرية، ثم تابعه مع مهارات والده في المنزل حيث بدأ في سنٍّ مبكرة التدريب على الخط على يد الوالد.
مشاركة
بين الممارسة والدراسة، يتحدّث نجا ل"ردبيس" عن مشاركته في العديد من المعارض الفنية، وإقامته العديد من المعارض الإفرادية، في لبنان، والقاهرة، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، ونال العديد من الجوائز في مسابقات عربية وعالمية في الخط.
يقول نجا إن مشاركاته طالت الملتقيات الفنية العديدة، خصوصاً منها ملتقى القاهرة الذي يستضيفه سنويا بدعوة من وزارة الثقافة المصرية لمحاضرة يلقيها عن الخط العربي، كما في السعودية، والشارقة، ودول عربية وإسلامية أخرى.
المعرض
أقيم المعرض في صالة بيت الفن، وردهاته، وتماهت اللوحات بالتشكيلات الهندسية المتنوّعة والجميلة للقاعة، وتباينت فيه الأعمال التقليدية، والأعمال الحديثة المنقسمة إلى صنفين، واحد اعتمد الحروفية لتجديد صيغة كلام محدّد، وآخر اعتمد الحروفية للتوغل في تجربة تشكيل تجريدي فني بحت، كادت الحروف فيه تتماهى في الأشكال والألوان، وضربات ريشة سريعة بألوان مختلفة بحسب طبيعة اللوحة.
اللوحات الحروفية التقليدية اقتصرت على ثلاث لوحات، اثنتان بالخط الثلث الجلي، وواحدة بالفارسي، أما البقية فهي بالخط الديواني بطريقة تشكيلية، ويفيد نجا إن "نزعة تحديث نشأت في هذا المجال، تعرف بالحروفيّة حيث تستخدم الحروف حسب النصوص، وباجتهاد تغيب فيه حروف وتظهر أخرى، ولكل لوحة خصوصيتها إن من ناحية الألوان، أم من ناحية التركيب، أو التوزيع، أو نقطة التركيز البصري، وأحياناً أكثر من نقطة تركيز في اللوحة الواحدة”.
ويفيد نجا إن "نزعة تحديث تشكيلية باتت موجودة عند العديد من الفناني الخطوطيين، يحاولون النحو فيها باتجاه التجريدية، وإن كانت الحروف والكلمات مكتوبة بالطريقة التقليدية، لأنها أسرع من الكتابة بالقواعد التقليدية التي تعتمد النقاط، والقواعد الهندسية في حروفها”.
التحديث واضح في العديد من اللوحات، حيث يوظّف الفنان الحروف في تشكيل اللوحة، دون أن تعبّر عن معنى لغوي، ويقتصر استخدام الحرف للتشكيل كتنوّع في اللوحة، لكن التركيز فيها على اللون، والشكل التجريدي، دون الإيحاء بمعنى معين متعلّق بالحروف والكلمات المستخدمة.
نوع جديد من التجريد يظهر في الأعمال يمكن وصفه بالتجريد الحروفي، وإن تراوح التجريد فيه بين تجريد مبسّط، يحمل بعض المعنى، إلى تجريد مطلق بين لوحة ولوحة.
محاضرة
على هامش المعرض، قدم نجا محاضرة عن الفن الخطوطي العربي، تناول فيها الكتابة العربية، وكيف ظهرت، وتطورت بين مرحلة وأخرى، من حروف غير مُنَقّطة، إلى حروف مُشَكّلة بدوائر بلون مخالف للون الحروف، وصولاً إلى مرحلة لاحقة حيث شهدت وضع النقاط على الحروف المتشابهة، بلوغاً للتحريك بالفتحة والضمة والكسرة والسكون والشدّة والمَدّة.
حملت أصناف الخطوط في كثير من الأحيان، أسماء المدن التي نشأت وانتشرت فيها، إلى ان استقرت أخيراً على الصيغ المعتمدة حالياً وفيها النسخي، والرقعة، والفارسي، والثلث، والديواني، وسواها، مع اعتماد تطوير هذه الخطوط للطباعة كما في لغة الكومبيوتر.
يذكر نجا إن الحروف العربية باتت تعتمد للكتابة بخمس لغات، هي: العربية، والتركية، والفارسية، والهندية، والأفريقية.
واللغة العربية هي إحدى اللغات المعتمدة من الأمم المتحدة، كما يقول نجا، وهي لغة اجتماعية تستخدم كامل الجهاز اللفظي للانسان، والحرف العربي عرضة للتطوير دائما، فهي 28 حرفاً، لكن المفردات المنبثقة منها تبلغ أكثر من اثني عشر ألفاً، وبذلك تعتبر أغنى اللغات.
كما قدّم نجا عروض تخطيط مباشرة أمام الجمهور، واستخدم شاشة عملاقة لتوضيح شروحاته.
الفنان
مواليد الميناء بطرابلس 1967، يحمل الدكتوراه باللغة العربية وآدابها بموضوع قواعد الخط العربي من جامعة الروح القدس-الكسليك، ودكتوراه في الدراسات الإسلامية، وماستر الهندسة الداخلية والفنون الزخرفية من الجامعة اللبنانية.
عضو جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت، وله مؤلفات في خصائص العمارة المدنية الأندلسية، وخطوط الطباعة والكتابة بين الأصالة والحداثة، وموسوعة قواعد خط الرقعة، وسواها من أبحاث ومؤلفات في فنون الخط، ومتفرعاتها.
100 مشاهدة
13 مارس, 2025
171 مشاهدة
13 مارس, 2025
165 مشاهدة
13 مارس, 2025