RedPeace

نبذ الحروب وتغليب السلام في معرض ملصقات في نابو

يستعيد معرض "شعوب ضد القنابل والحروب والحكومات" مجموعة واسعة من الملصقات الفنية، في متحف "نابو"- الهري، شمالي لبنان، ذاكرة الحروب التي عرفتها البشرية في القرن العشرين، والمستمرة دون هوادة حتى يومنا هذا، وأكثر ما تتجلى وحشيتها التاريخية في الظرف الراهن في حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة، وكأن المعرض أقيم ليقطع الأمل بالسلام في ظل عالم ما فتئت تسيطر عليه قوى الوحشية والاستعمار والرأسمال.

لكن إعلان المعرض يستبعد هذه الفرضية، فبنظر المنظمين، الهدف هو  "إحياء روح الاحتجاج السلمي حيث تتحول الجدران إلى منصة صُوَرية صامتة رفضاً للقنابل، والعنف، وتلوّث البيئة وسلطة المال". 

مبررات المعرض بعنوانه السلمي، استذكار شريط طويل من الأحداث التاريخية الجسيمة، واستدعاء محطات رافضة لها، فمنها على سبيل المثال استذكار مأساة هيروشيما منذ ثمانية عقود، ومأساة فلسطين، فمآسي فييتنام التي دفعت بظهور حركة سلمية مناهضة للحروب ستينات القرن الماضي، تحت شعار "من أجل السلام والموسيقى: لا للقنابل" المتجسد في حينه بحركة "وودستوك" في الولايات المتحدة ضد الحروب، و"وودستوك" جمعت مئات آلاف الشباب الرافضين للحرب، أطلقوا على أنفسهم اسم "الهيبيز" (Hippies).

والملصقات إنذار يدق ناقوس الخطر بينما يخشى أن تقترب البشرية من المواجهة الكبرى المدمّرة للحضارة الانسانية، في "احتمالية تكرار الأخطاء عينها”، بحسب المنظمين.

وعلى المستوى اللبناني، تعتبر الملصقات المستعادة بشعاراتها، وتناولها لمواضيع إنسانية تعالج محطات متنوعة من الأحداث والتطورات والمواقف، دعوةً للجميع، لا سيما للأحزاب اللبنانية إلى تبنّي لغة الحوار، والمصالحة، ودعوة اللاعنف والسلام دون أن يعني ذلك "خضوعاً لوحشية الرأسمال والحروب، بل فعل مقاومة لما هو حق” على ما جاء في تقديم المعرض.

وعلى المستوى الفني، الملصقات "تمثيلات بصرية لفلسفة اللاعنف، وأدوات نقدية تواجه عسكرة العالم، وجزء من تراث الحركات المناهضة للحروب التي سعت عبر الفنون والموسيقى إلى استبدال لغة القنابل بالحوار”.

فنانون وناشطون من مختلف أنحاء العالم صمموا الملصقات البالغة 160 ملصقاً  يحمل بعضها توقيعات مشاهير الفنانين، تعود إلى ستينيات القرن الـ20 امتداداً إلى اليوم.
الجناح العربي
المعرض متنوّع فيما يقدمه، لكنه ينقسم إلى قسمين رئيسيين، فملصقات الأجنحة العربية تتناول قضايا هامة مؤثرة في حركة الشعوب والتاريخ الحديث المتعلقة بالعالم العربي، بينها خريطة التقسيم التي وضعتها اتفاقية سايكس-بيكو، إلى جانب ملصقات "يوم الأرض" من أجل فلسطين، فوعد بلفور ومن ضمنه الرسالة التي وجهها وزير خارجية بريطانيا أرثر بلفور بتاريخ 2 تشرين الثاني 1917 إلى ليونيل والتر روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية، تعهد من خلالها بإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.
أربعة ملصقات تدعو إلى عراق موحد ومستقل، من تصميم ضياء العزاوي، منها "لا قناع يخفي هوية القتلة"، و" أيها المذعورون: العنف هوية الجبناء"، و"لا للتواجد الأجنبي بكل أشكاله". 
ملصق "الحلم الأميركي" للفنان السوداني حسن موسى، إلى جانب ملصق آخر بريشة حلمي التوني، تحت شعار "السلام الأميركي– الإسرائيلي في لبنان"، وقد زينه بألوان ترمز للحرية. 
تظهر في بعض الملصقات بصمات الحرب الأهلية اللبنانية، ووقائعها، وتداعياتها على السلم الأهلي، علماً أن المتحف اقتنى بقايا بوسطة عين الرمانة كرمز للحرب الأهلية اللبنانية.
رمزية للبطل الشعبي في عمل رفيق شرف، أو في مشاهد دمار المدن، أو من خلال شعار "لبنان يعيش" في ملصق صممته فاتن صفي الدين بمناسبة ذكرى انطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية.
ملصق للحزب الشيوعي اللبناني رسمه بول غيراغوسيان عام 1983، من وحي معركة قلعة الشقيف التي خاضها الحزب إلى جانب بقية حلفاء المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان. وملصقات للمقاومة اللبنانية في الدفاع عن الجنوب.
وملصقات عن الحرب الأهلية منها رأس "الشاهد والشهيد" من بيروت لتمثال مانوكان شاهد على حرائق ودمار أسواق الوسط التجاري، إشارة لحرب السنتين.
الجناح الأجنبي

 جناح الملصقات الأجنبية يضيء على مراحل تاريخية شهدتها المدن الاوروبية والاميركية في حروب وثورات وانتفاضات القرن العشرين. 

كثيرة هي المحطات التي تصيبها الملصقات، منها ما هو جاد، ومنها ما هو ساخر، إذ يرجع تاريخ الملصق العالمي بالذاكرة إلى الأوضاع الثورية التي نمت ما بعد عام 1945 إثر إلقاء قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، الكارثة الإنسانية الشهيرة، وبسببها عقد المؤتمر العالمي للمثقفين من أجل السلام في بولندا عام 1948، حضره فنانون وأدباء وشعراء بينهم بابلو بيكاسو، والشاعر الفرنسي بول إيلوار والمخرج المسرحي الألماني برتولت برشت الذي أطلق عبارته الشهيرة "الفن ليس مرآة للحقيقة بل مطرقة يمكن بها تشكيل الحقيقة". 

صُمِّم ملصق المؤتمر من وحي لوحة "غرنيكا" لبيكاسو، التي تمثل قصف الطيران الألماني لقرية "غرنيكا" عام 1936، وألقيت عليها القنابل فدمرتها على آخرها وقتلت الآلاف من المدنيين، وكأننا في غزة اليوم تحت القصف الصهيوني، خصوصاً في بلدة بيت ياحون التي قرر الصهاينة تدميرها بالكامل. هكذا يستعيد التاريخ نفسه في أحداث متشابهة على أيدي قوى متوحشة متشابهة نمت في الغرب، وما تزال تسيطر بروحيتها عليه.

ومن أبرز أعمال الكولاج التي ظهرت في فن الملصق، الرسم الذي يصور لقاء جمع أدولف هتلر، بالملك الاسباني فرانشيسكو فرانكو عام 1940 على الحدود الإسبانية، وفي القطاع الأسفل رسم مقتبس من الفنان الإسباني غويا حول اجتياح فرنسا لإسبانيا في عام 1807. 

ملصق للفيلم الأميركي الشهير أروع قصة حب "ذهب مع الريح" إنما بأسلوب الكوميديا السوداء مع تبديل صورة الممثلَين الرئيسيَّين كلارك غابل وفيفيان ليش بالرئيس الأميركي رونالد ريغان يحمل بين يديه رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر يؤشر لعمق العلاقة التي تربط بريطانيا بالولايات المتحدة خصوصاً في بلورة اجتهادات الاقتصادات الليبرالية. 

الكوميديا السوداء تبرز في اختيار الكلمات قصة حب متفجرة، إشارة إلى الدمار الذي سبّباه في أنحاء العالم، والانتاج لميلتون فريدمان بنظرياته الاقتصادية التي لا تركز إلّا على موارد الشعوب. والملصق من منشورات حزب العمال الاشتراكي، وتصميم بوب لايت وجون هيوستون، سنة 1981. 

حضرت فييتنام بملصقات متعددة منها هوشي منه، وأطفال المجاعة والحروب في حينه، والتعليم في فييتنام زمن الثورة في بندقية تطعن طفلاً في الظهر، ثم اسبانيا تنزف في ظل الصليب المعقوف النازي، وملصق ضد جرائم الفاشية، وثائرة من السلفادور تشهر بندقيتها، ومجموعة ملصقات تتناول قضية السكان الأصليين في أميركا، ملصق ضخم ل"وودستوك" وفيه جمهور شبابي واسع، يحمل شعار "ثلاثة أيام من السلام والموسيقى والحب".

ملصق الجريمة المتزايدة في بريطانيا، وبدت فيه تاتشر رافعة اليد، مع رقم يرمز لعدد الجرائم زاد عن مائتي ألف حادث.

وفي منصة زجاج، عرض كاتالوغ فاسكيس موس ضد الفاشية، لمعرض صور وثائق تؤرخ لجرائم هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، والمعرض أقيم في برلين سنة 1976. 

لوحة الغورنيكا لبابلو بيكاسو، وهي ربطة عنق راج استخدامها بعد ثورة الطلاب في باريس 1968. 

ملصق للفنان فريتز بيهريندت يعود لعام 1979، استخدام للكاريكاتور، يسخر من دور منظمة العفو الدولية في هولندا، وملصق يجسد المحكمة الدولية لجرائم الحرب، والمعروفة بمحكمة "راسل- سارتر"، التي نظمها الفيلسوف البريطاني برتراند راسل عام 1966، للتحقيق في تدخل أميركا العسكري في فيتنام (1976).

بلدة شمع

 كما يقدم المعرض لمحة عن النازية الجديدة التي مرت بجنوب لبنان من خلال عرض لمجموعة من الصور الوثائقية  لبلدة شمع الجنوبية المعروفة بأوديتها وأحراجها ومبانيهاالتراثية والتي كانت دائما مرمى للأطماع الاسرائيلية. وقد تعرضت البلدة في اجتياح عام 2024 لتدمير شبه كامل.

ملصقات أخرى كثيرة تحكي روايات العالم من أوروبا، وأميركا اللاتينية، كتشيلي، والارجنتين والعالم العربي مستمرة حتى نهاية آب\أغسطس المقبل.

الكلمات الدالة

معرض الصور