تسعينات القرن المنصرم، و"المقاومة الوطنية اللبنانية" بوجه الاحتلال الصهيوني، في أوج بطولاتها وتضحياتها، نفذ وائل نعيم، شاب من مدينة حلبا العكارية شمالي لبنان، مغ رفاق له في الجبهة، عملية ضد الاحتلال الاسرائيلي، واستشهد في العملية.
والده نعيم نعيم، مقرّب من الحزب الشيوعي اللبناني، مثل أي مواطن عكاري، أو من أبناء الاطراف كالجنوبيين والبقاعيين، يتحسّس بواقع منطقته المرير، ويعرف ارتباط الفقر بالاحتلال. يعاني من إهمال السلطة، وتهميشها للأطراف اللبنانية كافة، خصوصاً الجنوب، وعكار. لا مداخيل، ولا اعمال، ولا طبابة، والفوضى تعمّ المرافق. كل الأشياء هامشية لدى المواطن البسيط.
نعيم نعيم، قبل رحيله، لم يكتفِ بعطاء ابنه للوطن، فتبرّع بقطعة أرض ل"جمعية النجدة الشعبية اللبنانية" لبناء مستشفى تسدّ بعض حاجات المنطقة الصحيّة والاجتماعيّة، في ظروف نشطت فيها الجمعية في عكار، وشكّلت بريادة الدكتور غسان الأشقر، أحد أطبائها الكثر المتخرجين من الاتحاد السوفياتي، والملتصقين بحاجات الناس، حالة شعبية فريدة، التف الجمهور حولها نظراً لتحسسها بمشاكلهم، ومعاناتهم.
صار غسان الأشقر مع الوقت ظاهرة وطنية يحبه كثيرون، ولم يكن يقصده محتاج إلّا ساعده، خصوصاً في مجال الصحة، وظلّ مركز الجمعية في قلب مدينة حلباً، نابضاً بالحيوية، يستقبل الناس، حتى بعد رحيل المؤثرين من ناشطيها، ومنهم الأشقر.
بلوغاً عام 1995، عندما نضجت فكرة تأسيس مستشفى للنجدة لدى مسؤوليها والقيمين عليها، يحفّزهم توافر قطعة الأرض التي قدمها والد الشهيد نعيم لهم، فبدأوا يخططون لإقامتها، رغم الظروف الصعبة، والتحدي الكبير الذي يواجه أي عمل ضخم كبناء مستشفى.
لم تغب روح وائل، ووالده نعيم المعطاءة للابن وللدم، ولا روحيّة الأشقر في الخدمة العامة كشرط للراحة الفكرية التي تبناها، وظلّ طيفهم في غيابهم، حاضراً ومؤثراً، وفاعلاً في وسط الجمعية، فأقامت في الأسبوع المنصرم، لقاء شعبياً، وصحفياً لمناسبة انعقاد مؤتمرها ال16، أعلنت فيه نضوج فكرة المستشفى، وعرضت حيثياتها، وفتحت باب التبرع لإقامتها، وحمّلت المستشفى تسمية "غسان الأشقر طبيب الفقراء”.
وعرض عضو مجلس إدارة المستشفى الدكتور محمد خليل، مشيرًا إلى أنّ "تأسيس النجدة الشعبية في سبعينيات القرن الماضي جاء استجابة للتحديات الصحية والحرمان التي عاشتها المناطق الطرفية، ومنها عكار".
وتوقف عند مرحلة تأسيس فرع النجدة الشعبية في عكار عام 1985 برئاسة الدكتور غسان الأشقر، ثم محاولة إطلاق المشروع عام 1995، وصولًا إلى تشكيل لجنة المتابعة المركزية عام 2014 حيث تمكنت من الحصول على رخصة مجلس الوزراء في 11/9/2014.
وبعد أن عرض المراحل اللاحقة للمشروع، أطلق خليل نداءً إلى أبناء عكار في الوطن والاغتراب لدعم المشروع.
ثم عرض فيديو تعريفي ابرز أهمية المشروع وحاجة عكار إليه، بعد ذلك تحدث رئيس جمعية النجدة الشعبية في لبنان الدكتور علي الموسوي الذي أكّد أن "هذا اللقاء هو فعل إيمان بلبنان وبحق المناطق المحرومة بالتنمية".
وقال إن "النجدة الشعبية جمعية عريقة وطنيًا، نشأت ميدانيًا عام 1968 قبل موجة الجمعيات غير الحكومية، وتمتاز بأنها لا طائفية، ذات منفعة عامة ولا تبغي الربح، وتعمل وفق قيم التطوّع والمواطنية، وتقدم خدماتها لكل من يحتاجها دون تمييز، مستشهدًا بتجربة مستشفى النجدة الشعبية في النبطية كنموذج ناجح في التوازن بين الجودة والكلفة".
الواقع الصحي
وتناول الموسوي أسباب اختيار عكار لبناء المستشفى، عارضاً واقع المنطقة الصحي المزري، والنفقات الصحيّة التي يتكبدها المواطن وارتفاع تكاليف الفاتورة الصحية التي لا يختلف اثنان عليها، وهي تبلغ 6,8٪ من مجموع إنفاق العائلة الشهري الذي أصبح تحت خط الفقر.
كما تحدث عن البيئة الصحية للمنطقة، منها اكتظاظ المساكن، وعدم استيفائها للشروط الصحية، والطرقات السيئة، وتلوّث المياه، والهواء وغياب الإنشاءات الوقائية كالصرف الصحي، يرافقه الكثير من الجهل في بعض البيئات النائية.
وتضمن العرض واقع الانشاءات الصحية حيث تبين وجود أربع مستشفيات خاصة فيها، ومستشفى حكومي واحد، ومجموع الأسرّة فيها يبلغ ال360 سريراً، مخصصة ل350 ألف نسمة، أي بنسبة سرير واحد لكل ألف نسمة، في حين يفتقر أكثر من 66% من أبناء عكار لأي تغطية صحية، وإذا ما أضيف إلى فقر التخصصات مقارنة مع مستشفيات المدن الكبرى، فيضطر المواطن للبحث عن مستشفيات أفضل خارج المنطقة، في طرابلس أو بيروت، مما يكبّد المواطنين أعباء إضافية.
المستشفى
في ظل هذا الواقع الإنساني المزري، والإهمال الاجتماعي، عرضت الجمعية تفاصيل المستشفى التي وضعت خرائطه، متضمناً أقساماً للجراحة، والامراض الداخلية، والنسائية، والتوليد، والحواس الخمس، والأطفال، والقلب والتبنيج كونها الأقرب للواقع الصحي للمنطقة.
يضاف إلى ذلك، اقسام طبية للتخطيط المتعدد التقنيات، والمعالجات الفيزيائية، والتصوير، ومتفرعات تفصيلية أخرى ومتنوعة.
وخُتم المؤتمر بعرض فيديو يظهر الشكل الهندسي الداخلي والخارجي للمستشفى، وتولت الدكتورة نهاد منصور الإجابة عن أسئلة الحضور وتوضيح التفاصيل الفنية والإدارية المتعلقة بمرحلة التنفيذ المقبلة، في جوّ عام حمل الكثير من الأمل بأن هذا المشروع ينتقل أخيرًا من الحلم إلى التحقق لخدمة عكار وأهلها .
شهادة تزهر إنجازاً إنسانياً ل"النجدة الشعبية اللبنانية"
الكلمات الدالة
18 مشاهدة
01 ديسمبر, 2025
12 مشاهدة
24 أكتوبر, 2025
12 مشاهدة
13 أكتوبر, 2025