ينتظر المواطنون المحبّون للحرّ، فصل الصيف، وتَطَيُّره، لارتياد مصادر التبريد المتأتية من المياه، كالبحار، والأنهر، والينابيع، والبرك، والمغاور، وما شابه، ولبنان الغني بكل الجمالات الطبيعية السياحية، ومنها البحر على طول حدوده الغربية، إلّا أنه زاخر بما يفيض بمواقع مائية كثيرة يمكن أن تشكّل مقصداً للترفيه، والسياحة، والبرودة الممزوجة بالشمس الحارقة.
تساهم طبيعة لبنان بالمياه، وسببها أن المساحات الأكبر منه هي جبلية ذات ارتفاعات عالية نسبياً تصل حدود ال3080 متر عن سطح البحر في أعلى نقطة هي القرنة السوداء، سبب كافٍ لتراكم الثلوج التي يشكّل ذوبانها على مدى لا يقل عن ستة أشهر في السنة، إلى تكوين ما لا يقل عن 14 نهر رئيسي تنبع من سلسلة جبال لبنان الغربية، وتصب في البحر، وفي مسارها تتشكل الشلالات، والبرك، والبحيرات، والمغاور، والينابيع الغزيرة، وكلها وجهات سياحة طبيعية بيئية جميلة.
وإذا كانت الثلوج عامل جذب لهواة التزحلق شتاءً، فالمواقع المائية تفتح شهية الانسان للبحث عن التبريد الطبيعي، أي المياه، بأشكاله المختلفة.
لن تستطيع جولة واحدة الإحاطة بكل المواقع من هذا الصنف، ولنبدأ بجولة من أقاصي الشمال.
عكار العتيقة
بلدة تقع أقاصي الشمال اللبناني، على ارتفاعات تتراوح بين ال800 متر، وحتى 1400متر، وفي البلدة العديد من المواقع السياحية والأثرية، لكن أبرزها الشلال الذي يهبط من أعاليها في القموعة، شمالي جبال عكار، ويعبر البلدة في نهر ينتهي ساحلاً بنهر الخريبة، ويعرف في الداخل بنهر الأسطوان، ويبلغ ارتفاع الشلال زهاء 200 متر أو أكثر، وتقع حوله العديد من المنتجعات، والينابيع، ابرزها نبع الشوح، التي يمكن أن تشكل مقصداً رائعاً لهواة المياه الصيفية.
عرقة
إذا كان نهر الخريبة هو ثاني نهر بعد النهر الكبير على الحدود اللبنانية-السورية، فنهر عرقة هو ثالثها، ينبع من جنوب جبال عكار، وفي مساره تتشكل شلالات جميلة خصوصاً في بلدة بقرزلا.
شلالات بقرزلا اكتسبت صيتاً نظراً لغزارة المياه طوال أيام السنة، والترتيب الذي ألحقه بها سكان البلدة.
وعرقة بلدة خرج منها أباطرة رومانيون، اتخذوها مقرات لهم، وتزودوا من مياه النبع للتروية، وجروا قنوات من الجرود العالية لتزويد قصورهم بالمياه، ولا تزال بقايا هذه القنوات الخزفية موجودة في بقع مختلفة على مسار النهر.
البارد
النهرب البارد هو رابع الأنهر بالتسلسل، ينبع من جرود عكار-الضنية، ويعبر بين المنطقتين في منحدرات مختلفة الشدة، وتتشكل عليه شلالات جميلة، أبرزها في بلدة "عيون السمك" التي تبعد خمسة كيلومترات عن الساحل.
ونظراً لغزارة مياهه، وحدّة انحداراته، بُنيت عليه محطات لتوليد الكهرباء أربعينات القرن الماضي، كما بنى الفرنسيون سدّاً عليه للغاية عنها، وبعده بمسافة مئات الأمتار بُني سدٌّ آخر أصغر حجماً لتوليد الطاقة.
على مسار النهر، بين الشلالات والبحيرات، تعبر مياه النهر، فتتشكل عليها مواقع سياحية جميلة، يرتادها المواطنون ويمضون اوقاتاً جميلة في ظلال الأشجار حول النهر، ومنبسطاته، تعبرها السواقي من مياهه، ويمكن فيها ممارسة هواية صيد السمك بالناضور، إلى ممارسات أخرى.
بالوع تنورين
من أجمل وأغرب المواقع السياحية ما يُعرف ببالوع بلعة في عقارات بلدة تنورين في جرود البترون حيث فتحة صخرية واسعة جداً، وعميقة، تصبّ فيها مياه نهر الجوز المنحدر من جبال البترون، التي تعرف بالمنيطرة، وتشكّل في انصبابها في البالوع شلالات جميلة، وعالية، وفي الأسفل المهيب، تتجمع المياه في بركة قليلة العمق، يعتمدها مغامرون للسباحة، والمتعة، ثم تمضي المياه في باطن الأرض، لتعود فتظهر لاحقاً، متمّمةً نهر الجوز الذي يصب في البحر.
يبعد بالوع بلعة زهاء70 كم عن العاصمة بيروت وعلى ارتفاع 1550 متر فوق مستوى سطح البحر وتتدفق مياهه من ارتفاع 250 متر لتسقط في الهوة العميقة.
في البحوث الجيولوجية، يمتد البالوع لما قبل 150 مليون عامًا، وغضافة إلى منظره الخلاب والمهيب، يمكن الاستمتاع بالمناظر الطبيعية التي يوفرها تكوين الشلال المُذهل لزواره حيث جسور ثلاث تخترق سير مياهه المُتدفقة، ومغارات، وكهوف صخرية ذات هيئة مُميّزة، عليها مساحاتٍ خضراء تُزينها الزهور الملونة وتقتحمها الأشجار الضخمة المُعمّرة.
عيون أرغش
موقع فريد يقع على المقلب الشرقي لمنحدرات سلسلة لبنان الغربية على ارتفاع 2100 متر، في منطقة عالية بين الأرز والبقاع، وتتبع إدارياً لقضاء بعلبك في محافظة البقاع، وفيها ينابيع مياه غزيرة، تتجمع سيولها وتشكل بركة واسعة أعالي الجبال، مما يضفي على الموقع سحراً خاصاً منقطع النظير، وتغور المياه في باطن الارض من البركة.
أقيمت على البحيرة منتجعات سياحية، وتمارس فيها رياضة التجذيف بالزوارق الصغيرة، ويستفاد من الأسماك التي تربى فيها، وتحف بالبركة أشجار الحور واللزاب.
أفقا
موقع سياحي طبيعي يقع في جرود العاقورة في قضاء جبيل، وفيه مغارة واسعة تشكل تجويفاً صخرياً ضخماً يرتفع عشرات الامتار، وتقع على ارتفاع 1100 متر عن سطح البحر، وفيها هوة عميقة. تنبع منها مياه نهر ابراهيم، وتشكل في انحدارها شلالات جميلة، تعبر مياهها المنحدرات العميقة، ونظراً لوعورة الطبيعة، وغزارة المياه، شكّلت المنطقة وجهةً للمغامرة الخطرة.
نهر ابراهيم، النابع من أفقا، عرف قديماً بنهر أدونيس وهو إله أسطوري في الميثولوجيا الفينيقية، وتألّفت على سيرته روايات تاريخية اسطورية ملحمية الطابع نظراً لمقتل أدونيس بعراك مع خنزير بري.
نماذج قليلة مما يتضمنه لبنان من مواقع سياحية مائية، تضع لبنان في مصاف الوجهات السياحية العالمية، وموطناً هاماً للمياه الوفيرة قياساً على عدد السكان، والمساحة الجغرافية الصغيرة.
الكلمات الدالة
18 مشاهدة
01 ديسمبر, 2025
12 مشاهدة
24 أكتوبر, 2025
11 مشاهدة
13 أكتوبر, 2025