RedPeace

الفنان اللبناني مصطفى عبيد يصارع العدوان فنياً

القصف المُرَكَّز على المدنيين في غزة ولبنان، ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الحروب في العالم. وإذا لم يكن غريباً أن تطاول الأعمال الحربية، في جانب ثانوي منها، المدنيين خلال قتال العساكر، والجيوش، لكنّ غير المسبوق أن تقتصر الحروب على قصف المدنيين، وإلحاق المجازر بهم، دون رادع، وفي ظل صمت عالمي مطبق.

 

المشهد مذهل، لا يستوعبه عقل، ولا تتحمله مخيّلة، خصوصاً متى ترافق مع صمت تام على مستوى الدول، وحيث تُتْرك المقاومة في غزة ولبنان لوحدها تجابه أعتى آلة عسكرية في العصر الحديث، وتستباح مآوي المدنيين، والمنشآت السكنية، ومراكز الإيواء، والمستشفيات، والمدنيون هم أكثر من دفع ثمن الحرب بينما هم في العراء، أو في مقرّات مدنيّة.

 

يفاقم هول المجزرة، وحرب الإبادة، غياب الدعم المباشر لردع العدوان، وهيمنة غير مفهومة للإسرائيلي بامتلاك ما يشاء من أسلحة، بينما تُحرم أسلحة الدفاع، والحماية للمدنيين بنوع خاص، عن المقاومة وجمهورها الذي بات ضحية العصر، وباتت مجزرة هيروشيما وناغازاكي في الصفوف الخلفية بمقابل مجازر غزة ولبنان.

 

أزاء هول ما يجري منذ "طوفان الأقصى"، حتى اليوم، دون هوادة، عبّر كل عاقل عن تفاعله مع المأساة بطريقة من الطرق. أما الفنان اللبناني مصطفى عبيد، الذي هاله المشهد منذ البداية، ولم يعد يحتمل العجز عن ردع القاتل، راح يعبّر عن نفسه بلوحة فنية يوميّة، يصب فيها معاناته، ويردفها بتعابير الرفض لما يجري: المجزرة والسكوت عنها.

 

عبيد يعود من عمله كأستاذ للفن، ويتّخذ فرصة لنفسه، كأنها ملجأه من مفاعيل المأساة، ويبدأ رسم معاناته بالترافق مع الحدث اليومي، ويستغرقه العمل من الساعة وأكثر، لتتجمع لديه بعدها مجموعة من الأعمال من أحجام مختلفة، يطغى عليها صغير الحجم.

 

زاد عدد اللوحات عن الأربعماية، حيث إنّه لم ينقطع يوما عن وضع لوحة مستوحاة من تطورات الأحداث اليومية. ثم ينقلها بكاميرة هاتفه ويعلّق عليها بعبارات الرفض للمأساة، والتضامن مع المقاومين وجمهورهم، ويرسلها صباحاً لأصدقائه.

 

يشرح عبيد ل"ردبيس" مبادرته العفوية، كما وصفها، ويقول إنه "ابتداء من ثاني يوم من عملية "طوفان الأقصى"، أي منذ الثامن من تشرين الأول\أوكتوبر 2023، و أنا أعمل على تنفيذ يومي لعمل فني تعبيري من وحي المناسبة، ونحن نعيش تطورات يوميّة، وكل يوم كان يقع حدث جديد يقوم به العدو الصهيوني ضد أبناء غزة، إضافة الى الأعمال البطولية للمجاهدين الأبطال ضد العدو المحتل".

 

يخفف الألم تشاركه مع الآخرين، وكأن الشكوى تريح صاحبها مما يعاني، لذلك يفيد عبيد أنّ "الاعمال أرسلها الى مجموعة من الاصدقاء (كصبحية)، أريد مشاركتهم بها لعلّ في المشاركة تخفيف من وطأة الحدث، وذهولنا أزاءه".

 

اقتصرت أعمال عبيد على الحدث "الغزيّ" بدايةً، حيث لم تكن الجبهة مع لبنان قد بدأت استباحتها من قبل العدو، لكن عندما بدأت الأحداث تتفاقم على الجبهة الجنوبية، وسّع عبيد اهتمامه الفني، و"ابتداء من 19 ايلول\سبتمبر أضفت الى الأعمال الحرب على لبنان، و ما يقوم به الإجرام الصهيوني من قتل وتدمير و تهجير ممنهج”، يقول عبيد.

 

قياس الأعمال يتراوح بين 9cmx14cm و20cmx25cm، يستخدم عبيد فيها مختلف التقنيّات منها مادة الأكريليك، وأقلام الكوبك(copic)، والألوان المائية الشفافة، والوسائط المتعدّدة (mixed-media)، و الحبر الصيني.

 

عبيد فنان مخضرم، كان من أوائل طلاب الفنون في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، طوّر أعماله، وصاغ لنفسه أسلوباً تعبيرياً خاصاً من الفن الحديث، أقام العديد من المعارض الخاصة، وشارك بالكثير من المعارض الجامعة، لذلك اتّسمت لوحاته بالحرفيّة، والجمال التعبيري، ملتزمة مباديء وقوانين الفن الأكاديمية، مترافقة مع خبرات طويلة في الفن.

 

من آخر أعماله، لوحة فيها العديد من السفن في بحر هائج، مضمونها متسائل عن أي مصير ينتظرنا في هذه العاصفة المجهولة المصير.

 

من اللوحات ما تضمّن عبارة غزة رمز العزة، وعبارات المقاومة، والكرامة، والتنديد بالمجزرة في غزة ولبنان، والتغاطف مع المقاومة، والأهالي-ضحايا المجزرة.

 

ورد في آخر أعماله: "إن العدو الصهيوني المجرم يسابق الزمن في محارقه للشعبين اللبناني و الفلسطيني دون أي تدخل من المجتمع الدولي والعربي لردعه".

 

وفي لوحة سابقة تعبر عن موجة تسونامي، يقول: "تسونامي الإجرام الصهيوني مستمر في لبنان وغزة والمجتمع الدولي إما في صمت مطبق أو متآمر يطبق أجندة العدو الإسرائيلي".

 

وتعبيراً عن الإبادة، دون تسمية للوحة، يقول: "وتستمر الإبادة الجماعية للشعبين اللبناني والفلسطيني على يد الإجرام الصهيوني. حسبنا الله ونعم الوكيل”، وتختلج في اللوحة معاني الطوفان، والمدافن الجماعية.

 

وفي سؤال له إن كان سيستمر برسم لوحة كل يوم، قال: "نعم و هذا أقل ما يمكن فعله ، ومشاركة مني تقديمه لنصرة أخوتنا في فلسطين ولبنان”.

 

عبيد

 

عبيد مواليد 1957، مدينة القلمون الشمالية، تخرج من كلية الفنون والعمارة في الجامعة اللبنانية، ونال دبلوم الدراسات العليا سنة 1983، وماجستير اختصاص الجداريات سنة 2010، واستاذ محاضر في الكلية منذ 1986، وفي جامعة البلمند- "الألبا" منذ 1989، وله 17 معرض إفرادي بين 1978-2019، والعديد من المشاركات في معارض جامعة، نال العديد من الجوائز المحلية والعالمية، وله مساهمات وكتابات فنية، ومنها ضمن برامج تعليمية في المدارس.

الكلمات الدالة

معرض الصور