لخّصت الفنانة اللبنانية ندى متى معرضها الأخير، في استضافة Mission Art Gallery في مار مخائيل ببيروت، بعنوان وحيد العبارة "جسد"، لكنّ المعاني الكامنة في أعمالها التشكيلية في "جسد" ترتبط به، أحياناً ارتباطاً مباشراً، وثيقاً، وأخرى بالمقاربة، أو التلميح، أو الإشارة.
وإن كانت عبارة "جسد" فيها الكثير من الإشارات المادية المباشرة، البعيدة عن الشاعرية الشفّافة، إلّا أن الفنّانة متى تعالجه في تشكيلياتها بإيحاء شاعري، شفّاف أقرب إلى الرومانسية.
في أعمالها الكثير من الإيحاءات، حميميّة صامتة، وتشاركيّة إيمائيّة تسعى إلى الالتفاف على إشكاليّات الحياء، لكنها لا تستطيع تلافيها لأن ما في كوامنها طاعن عميقاً فيما لا يمكن تلافيه؛ ما لا يمكن التفلت منه تحت الضغط الصامت لعناصر الوجود الانساني، فالفنانة تؤمن أن "أجمل وجوه انسانيتنا تظهر في لحظات الصمت المشترك"، تشاركية تستدعي وجود آخر أو آخرين في معايشة هذا الصمت.
يمكن تلمّس هذه الروحية في اللوحات، بأشكال جسد شفافة، تعبيرية غير مباشرة، متكرّرة في عدد من اللوحات، جميعها مظلّلة بحميمية غير قابلة للردّ.
وتمضي الفنانة متى في أعمالها الإيحائية، بنزعة الحلم، تشاركية تجري صفقاتها بين الغصون والزهور، تخرقها الأشعة لتضفي على الموقف دفئاً يعزّز التشاركية، ويجعلها فعلاً محقّقاً، مستولداً من جديد، لا تمكن مقاومته، مما يجعل المشترك فيه مستلسماً، غير قادر على رفض الموقف، تعبر متى عنه ب"الهشاشة"، وإن هو إلّا الاستسلام لمتعة اللقاء.
انكشاف وهشاشة لا بد منها في تشاركية لقاء هي مبعث حياة جديدة. تقول متى: “في تلك المساحة الحميمة التي نكشف فيها هشاشتنا دون خجل، وفي عمق هذا الانكشاف، تولد الحياة من جديد، وتفيض بمعناها الحقيقي، وتفيض بجمالها”.
أعمال متى، وتوجهاتها تتجاوز مفهوم "موت الرومانسية" الناجم عن تأجّج عناصر الحداثة التي تمكّنت من إمّحائها إلى مستوى بعيد، لكنها صمدت لالتصاقها الوثيق بالوجود الانساني. بمعنى ما، لا تريد متى التفلت من رومانسية شاعرية، لونية، شكلانية في معرض اختصر ب"جسد"، لذلك تستخدم لأعمالها عناوين من روحية رومانسية منها على سبيل المثال، "أزرق عميق" (Deep Blue)، و"تعاطف" (Leaning)، و"غابة عذراء" (Virgin Forest)، و"متلأليء" (Pearly) وسواها.
توغل متى في رومانسيّة غير مُعْلَنة، وتعود إلى أمّ الرومانسية- الطبيعة. تجد فيها مصدر إلهام واستمرارية وصمود، فهي-الطبيعة "النموذج الفريد للصمود وقبول الذات؛ تلهمني بعمق”.
وفي ظل مثلث التشاركية والصمت والهشاشة-وليدتهما، تتحوّل عناصر الجسد- المادي إلى تجليات حلم زاهٍ لوناً وإحساساً ف"يتحوّل الشَّعر إلى زهور، وتغدو علامات الجلد كأنها كوكبات نجمية، وتتحوّل الساق إلى ذيل سمكة"، كما تقول متى مضيفةً: "تتوارى المظاهر لتفسح المجال أمام تواصل عاطفي عميق. ومن هذا الانصهار، تولد قصيدة حيّة نابضة”.
لكن القصيدة غائبة في الصالة، والمتوافر لوحات تلخّصها، يتراءى فيها عالم هو- بنظر متى- “عالم تُهمّش فيه الأحاسيس العميقة، وتُزاح إلى الخلف"، ليبقى الإيحاء في طموح فنّيل"الاحتفاء بسحر التواطؤ الجسدي، معلّقًا الزمن للحظة".
لا تبوح متى كفنانة محترفة بالمباشر من الرؤى والأحاسيس، وتبقي على حوارها حول العلاقة بين الإنسان ".والطبيعة، وما تختزنه من عناصر وتحولات في "حوار صامت بين الفنان والمتلقي”، كما تختم كلامها ل”ردبيس"
الفنانة
السيرة الذاتية ولدت ندى متى عام 1968، وهي خريجة معهد الفنون التطبيقية (ATEP) في باريس، وأكملت تدريبها الفني الشامل في مدرسة الرقص A&F Chantraine في فرنسا.
من عام 2013 إلى عام 2017، عُرضت أعمالها في معرض "مسارات فناني ميتز".
في عام 2017، أقامت معرضًا فرديًا في صالة عرض في الرميل في بيروت، وفي عام 2018، شاركت في فعالية "ما وراء الموضة" في دار أزياء توني ورد في بيروت، كما عرضت أعمالها في معرض بيروت للفنون.
في عام 2019، شاركت في معرض DDESSINPARIS في باريس، وأقامت معرضًا فرديًا في صالة عرض Mission Art في بيروت.
في عام 2020، ساهمت في عمل جماعي حول ثورة "17 أكتوبر" في صالة جانين ربيز ببيروت، وفازت بالمسابقة التي نظمتها جمعية FE-MALE حول موضوع ثورة أكتوبر، وتعرض أعمالها في صالة HGallery(باريس) ضمن فعالية "عيش يوم آخر".
بعد انفجار الرابع من آب\ أغسطس في بيروت، شاركت في ثلاث مجموعات تضامنية. في عام 2023، أقامت معرضًا فرديًا في صالة Artscene ببيروت، وشاركت في معرض Menart Fair بقصر Iéna في باريس، وأيضًا في فرنسا.
أصدرت ثلاثة ألبومات مصورة بإصدارات MeMo، وفاز ألبومها "Petite Pépite" (Little Nugget) بجائزة "Sorcières" لعام 2017 في فئة الألبومات.
91 مشاهدة
04 يوليو, 2025
51 مشاهدة
04 يوليو, 2025
95 مشاهدة
04 يوليو, 2025